وساخة في الشريط
دعاني صديق لفرح شقيقته في أحد شوارع عين شمس الشرقية.
وقفت بالسيارة عند أول شخص شعرت تجاهه بالارتياح لأسأله عن العنوان، سألني رايح فرح فلان؟، أدهشتني فراسته، قال لي إنه معزوم أيضًا، دعوته للركوب ولمحت أسفل الجاكيت طبنجة، ابتسم وعرفني بنفسه (أمين فلان)، كان طول الطريق يلوح لسكان المنطقة من شباك السيارة وأشهد أن شعبيته كانت تدعو للغيرة.
عاتبني صديقي علي التأخير واختار لي مقعدًا قريبًا من مقطورة السيارة النقل التي تحولت إلي مسرح يحمل كوشة العروسين والفرقة الموسيقية، ثم عرفني علي شركاء المنضدة وهم زهرة شباب المنطقة معظمهم أصحاب محال أدوات صحية في الفجالة وكان إلي جواري الحاج سعيد الذي عرفني عليه صديقي قائلاً (ده الحاج سعيد.. الحاج سعيد بأه مش عايز أقول لك)، لم يقل لي صديقي بالفعل أي شيء، وتركني أستكشف الحاج سعيد بنفسي، انصرف صديقي فانهالت علي من كل صوب واتجاه السجائر الملفوفة، اعتذرت بلباقة فأخرج الحاج سعيد شريط دواء به حبات خضراء اللون وأمسك يدي وأفرغ فيها حبتين في صمت، كاريزما الحاج سعيد حالت بيني وبين الاعتراض فوضعتهما في جيبي وتأملت وجهه وكان باديًا أنه قد ابتلع شريطًا بمفرده علي الأقل منذ بداية الفرح.
كانت الضوضاء مُحكمة والفرقة في أوج نشازها بقيادة مطرب كان نسخة من الكابتن سيد معوض، تراصت أمامي أطباق لحمة الرأس والكفتة المشوية وزجاجات البيرة، وصعد الحاج سعيد إلي المسرح لإلقاء التحية وعمل واجب (النقطة)، وجه تحية إلي الإذاعة والتليفزيون وهو ينظر ناحيتي (عرفت فيما بعد أنه كان فاكرني الأستاذ علاء بسيوني، صححت له المعلومة سألته اشمعني علاء بسيوني فقال لي أصلك مارضتش لا تشرب ولا تضرب!).
الحاج سعيد كان يرتدي طاقية سقطت منه أثناء اندماجه في الرقص، فاكتشفت أن رأسه شبه مشوهة، سألت صديقي فقال لي دي قصة قديمة الحاج سعيد كان يقدم التحية في أحد الأفراح وأصر علي أن يرقص بأنبوبة البوتاجاز المشتعلة فأمسكت النار في شعر رأسه، لكن أحد شركاء المنضدة صحَّح المعلومة قائلاً (يا معلم ده كان يوم فرح الحاج سعيد نفسه).
صعد شخص ما إلي المسرح وألقي بالتحية والنقطة، وطلب أن يرقص علي أغنية وديع الصافي (دار يا دار.. راحوا فين حبايب الدار) وما أن بدأ الكابتن سيد في الغناء حتي انقلبت الليلة جحيمًا، صعد صديقي وأقاربه وحدثت مشادة مع صاحب التحية سرعان ما انقلبت إلي مشاجرة حامية تلقي خلالها المطرب صفعة طائشة جعلته ينزف من أنفه، تدخل صديقي أمين الشرطة وفض المشاجرة وصرف صاحب التحية، وأصر المطرب علي الانصراف وفشلت كل محاولات استرضائه ولم يتركوه يرحل إلا بعد أن أعاد العربون، فهمت فيما بعد أن سوء اختيار الأغنية هو السبب، فمن غير اللائق أن تكون أغنية التحية في فرح هي أغنية تتحدث عن حبايب الدار الراحلين خصوصًا أن العروسة يتيمة الأب والأم الأمر الذي أثار انزعاج أقاربها خوفًا علي مشاعرها في ليلة فرحها.
الحاج سعيد أصر علي أن يحضر ابنه هاني جهاز الكمبيوتر من البيت ليلعب عليه كل الأغاني الممكنة حتي الصباح، هاني أحضر الجهاز بالفعل وقام بتوصيله علي السماعات وأعلن في المايك أن الدي جيه هاني سعيد بيقول إن (الفرح لسه هيبتدي) فعمت الفرحة أرجاء المكان وظهرت من جديد السجائر الملفوفة وتراصت زجاجات البيرة وانتعشت الأجواء، أعلن الدي جيه عن الأغنية التي اختارها العروسان ليرقصا عليها ودعا المحبين للصعود لمشاركتهما الرقص، وكانت الأغنية (سيجارة بني)، كان جهاز الكمبيوتر محملاً بفيروس، فكان يصدر بانتظام صوت جرس الويندوز الشهير الذي يحذرك من الفيروس، كانت الأغنية شغالة وكان الجميع سعداء وفي حال اندماج رغم جرس الإنذار المتكرر (تخيله في السماعات الكبيرة)، بعد قليل بدأ صوت الجرس المزعج يذوب في إيقاع الأغنية وأصبح مألوفًا للجميع ماعدا أنا، كنت أشعر بانزعاج، نظر لي الحاج سعيد ويبدو أنه قرأ أفكاري فقال لي بثقة وببطء (تلاقيها بس وساخة في الشريط).
كان لابد أن أشارك في الرقص ففعلت، كنت أشعر بخجل ما في البداية لكنني لمحت في الوجوه ألفة صادقة وسعادة انتقلت لي بسرعة العدوي، فتركت نفسي للموسيقي المختلطة بريمكس جرس الويندوز ورقصت وأنا أردد كلمات الأغنية (يا عم ولع..يا سيدي ولع)، لمحني الحاج سعيد فاقترب مني وأفرغ في قبضتي كمان حبتين.